عام الحزن-يونس إمغران /المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مساحة للنقاش

عام الحزن

  يونس إمغران    

*** إنه عام الحزن بامتياز في وطننا العربي.. بعد أن رحلت عن سماء دنيانا نجوم ثقافية، كانت تصنع الحدث الفكري بكثير من الجدل والاختلاف.
رحل عنا فريد الأنصاري العالم والفقيه والصوفي والشاعر والروائي المقتدر، بعد أن اجتهد وأصاب بلغته الأنيقة، و تفكيره السليم، في الحديث عن النفس الزكية، والروح العاشقة للملكوت.. وبعد أن استعاد إلى مكتبتنا نصوصا إشراقية، أنارت قلوب قرائها بقيم جميلة، وقومت مناهجهم في طلب العلم الصحيح، والعشق الإلهي المعطر بروح القداسة، والسلوك الإنساني السمح والحليم، بعيدا عن الخشونة، والحزونة في القول والعمل.. رحم الله الأنصاري.
ثم رحل عنا فؤاد زكريا الأكاديمي والفيلسوف وقارئ فلاسفة الغرب ومترجم أعمالهم بتوفيق كبير، بعد أن جمع حوله محبون كثيرون، وأعداء لا يقلون عنهم عددا.. رحم الله زكريا.
ثم رحل عنا محمد عابد الجابري المفكر والفيلسوف والسياسي، بعد أن أعاد تشكيل العقل العربي من جديد، ومكنه من أدوات وآليات تحميه من الاندثار، وتمنح له حياة أخرى، قوامها التحديث، ومواكبة العصر، ومقارعة حضارات الخلق ومضاهاتها.. رحم الله الجابري.
ثم غادرنا نصر حامد أبو زيد المفكر والمجادل والأستاذ، بعد أن ملأ الدنيا بأفكاره ونصوصه الساخنة، والمقلقة، والمثيرة للأعصاب والدماء.. منح لمكتبتنا العربية كتبا يصنفها البعض ضمن خانة التنوير والنهضة والعقلانية، ويرمي بها البعض الآخر في سلة الإزدراء والتطرف المعادي للتراث.. رحم الله أبا زيد.
وأبى محمد أركون إلا أن يوقع بدوره على شهادة الميلاد بدار الحق والحقيقة، فغادرنا من فرنسا حيث كان من جامعتها السوربون، ومحافل باريس الفكرية والثقافية، يلهب عقول كثير منا بدراساته الصاخبة والمغضبة، ويرمي بركنا الآسنة بحجارة من مناهج الغرب، ولكن بمضامين عربية خالصة.. رحم الله أركون.
ثم جاء دور عبد الصبور شاهين ليزيد من انتشار مساحات واسعة من رماد الحزن، ويساهم في إخلاء منابرنا العربية من أسباب النقاش والجدل والسجال، بعد أن عرف شرقا وغربا بكتبه المثيرة، وأفكاره العاصفة.. ومواقفه المزعجة الصادحة.. رحم الله شاهين.
ألسنا بعام حزن وألم؟ أليست خسارة حين تموت العقول المفكرة، وتخلو الساحة لأدعياء العقل، وللذين يحسنون ملء الفضاء بالصياح والصراخ والشتم والسب والقذف؟
صحيح أن الذين رحلوا عن دنيانا ماتت أجسادهم، وانتقلت أرواحهم إلى خالقها عز وجل، ولكن كتبهم ستظل يقظة، ومغذية لروح النقاش والجدل إيجابا أو سلبا ما شاء الله لها ذلك.. وصحيح أن الذين رحلوا مختلفون في أفكارهم، ومواقفهم، وتصوراتهم ومرجعياتهم العقدية والإيديولوجية، ولكنهم جميعا أبناء الثقافة العربية.. اشتغلوا بها وانشغلوا، وشغلوا بها العباد والبلاد.. وظنوا - صوابا أو خطأ - أن قناعاتهم ومذاهبهم في الفكر والحياة، هي الفرج والمخرج من تخلفنا واستصغارنا وحقارتنا أمام العالمين.. فرحم الله الجميع.



 
  يونس إمغران /المغرب (2010-12-24)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

عام الحزن-يونس إمغران /المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia